.

667

22 April 2017

  • الناشر في ميزان الواقع

    وصلنا الآن للمرحلة الأخيرة بعدما تحدثنا عن الكاتب وكيف تكن كاتباً؟ ثم إعداد الكتاب للطباعة، ثم كيف تُطبع الكُتب؟ وانتهينا عند تقنية الطباعة حسب الطلب POD

    كل مرحلة من هذه المراحل قد تشوبها أخطاء سببها جميعاً هو النظرة المادية،
    فالكاتب قد يبحث عن الربح المادي والشهرة فيهمل الإبداع، ويسير على خطى التقليد وصناعة الكلمة ليفقد عمله الحياة ويموت قبل أن يولد، وحتى لو أصاب بعض من المال أو الشهرة، فسريعاً ما ينضوي تحت راية النسيان، وهذا ما جعل مؤلفات كتبت منذ مائة أو ألف سنة تعيش إلى يومنا عندما اهتم أصحابها بالعملية الإبداعية وليست المادية.

    ودار النشر تبحث عن الربح المالي، فالأمر بالنسبة لهم مشروع تجاري قبل أي شيء، وبالتالي تتعامل مع الكتاب والكاتب على السواء باعتبارهما سلعة، لذا قد تُهمل في عملية الإخراج الفني، أو الطباعة، أو تُهمل الترويج للكتاب والكاتب طالما لم تحصل على مبلغ مالي مناسب حتى لو كان العمل يضاهي إليــاذة هوميروس، وعلى النقيض قد تولي عملية الإخراج والطباعة والترويج اهتماماً كبيراً إذا حصلت على المال المناسب من الكاتب حتى لو كان كاتباً دون المستوى وكتابه غثاء سيل ليس أكثر.
    الحكم والفيصل بالنسبة لدار النشر هو المال، المال فقط خاصة مع الكاتب المبتدئ وغير المعروف.

    لنفترض مثلا أن كتابك عبارة عن مائتي صفحة، والغلاف أربعة ألوان فصل (مثل كل الأغلفة التي تراها)، فإن دار النشر في هذه الحال تكون أما خيارين:
    الأول إن رأت أن كتابك ذو قيمة كبيرة، وأنك كاتب يمكن الاستثمار من خلاله ففي هذه الحالة ستطبع الكتاب على نفقتها وتوزعه أيضاً مع بعض البروباجندا كحفلات التوقيع والندوات وغيرها، وستدفع هي كل شيء وفي المقابل ستحصل أيضاً على كل شيء ولا يبق للكاتب سوى فتات.
    قد يبدو هذا شيء جميل، فالكاتب لن يدفع شيء مادي، ولكنه في الحقيقة يدفع كثيراً معنوياً خاصة لو كان امرأة. ولكن حتى هذا لا يحدث إلا نادراً جداً، ومع توصيات كافية لابد أن يكون مشفوعاً بها الكاتب.

    أما الخيار الثاني وهو ما يحدث بالفعل على أرض الواقع، فأن دار النشر تحسب تكلفة طباعة ألف نسخة من الكتاب، لنفترض مثلاً أن هذه التكلفة سبعة آلاف جنيه، هنا تطلب من الكاتب عشرة آلاف، وربما أكثر بحجة الإخراج الفني، والمراجعة اللغوية، وتصميم الغلاف، والخصول على رقم الإيداع، والدعاية، وما إلى ذلك.
    يدفع الكاتب ويسعد بأنه قد أصبح له كتاباً في السوق ولا يدري أنه دفع لتجار، ولا أبالغ إطلاقاً حين أصف بعضهم باللصوص أيضاً، فهم في الغالب قاموا بعملية نصب لأن أولاً تكلفة الطباعة كانت أقل من السبعة آلاف، وأن المراجعة اللغوية والإخراج الفني للكتاب لا يكلف كثيراً، وأن الدعاية للكتاب لا تتجاوز حفلة توقيع يدفع الكاتب تكلفتها من جيبه، وفي النهاية إذا فشل الكتاب فلن يضرهم شيء، أما إذا نجح الكتاب فهذه هي الكارثة الأكبر..

    في هذه الحالة يمكن لدار النشر توزيع حتى عشرة آلاف نسخة بينما يخبرون الكاتب بأنهم وزعوا خمسمائة نسخة فقط، حيث أنه ليس في يده أية آلية يستطيع من خلالها متابعة هذه العملة، وبافتراض أنه استطاع إثبات هذه السرقة فسوف يقضي السنين في المحاكم التي تقضي له في النهاية بتعويض تافه بالمقارنة بالأرباح التي حصلت عليها الدار.

    وهذا حال كل دور النشر، ولكن ولكي أكون منصفاً لابد من قول "اللهم إلا من رحم ربي"، ومن رحم ربي ليس بالكثير فهم كالإبرة في كومة القش.

    هذا غير حقوق النشر والتوزيع التي تحتكرها الدار، وناهيك عن السرقة الأدبية التي تستطيع الدار القيام بها لأن الكاتب يقدم لهم كتابه قبل حفظ حقوقه، وبالتالي إن أرادوا سرقته فلن يمنعهم شيء.

    وكمعلومة عارضة، لا تقدم كتابك لدار النشر إلا بعد حفظه، ولا أعرف حقيقة طرق الحفظ في بلادنا العربية، ولكن في مصر فالأمر بسيط للغاية، إذ يمكن حفظ هذه الحقوق كملكية فكرية بدفع رسوم مائتي جنيه، أو الحصول على رقم الإيداع فقط بطباعة عشرة نسخ وتقديمهم إلى دار الكتب المصرية للحصول على رقم الإيداع في التو واللحظة وبدون أية رسوم مالية على الإطلاق.

    المهم أنه بسبب هذه العقبات الجمة التجأ كثير من الكتاب إلى مناورة النشر الإلكتروني بمنطق (ضربوا الأعور على عينه)، ولكن للأسف فإن دور النشر الإلكترونية تدار بنفس الفكر العقيم الذي تُدار به دور النشر الورقية، فإن كانت مجانية فهي تقدم الكتاب في صورة PDF أو Mobi أو EPUB أو أي شكل من أشكال الكتب الإلكترونية للقراءة على الأجهزة الحديثة بدون أي ربح للدار أو للكاتب، وبالتالي هم معذورون جداً حين يكون إخراج الكتب سيء للغاية، وكذا عملية الترويج لا يمكن أن توصف بأقل من كونها فاشلة، وهذا منطقي إذ كيف يدفع مؤسس الدار المال بدون عائد؟

    وحتى دور النشر الإلكترونية التي تقدم الكتب بمبالغ بسيطة لا تحصل أيضاً على الدعم المالي الكافي وبالتالي تقع في نفس المشكلة، أما الكاتب فيخطو هذه الخطوة على أمل أن يصبح له اسم معروف يساعده فيما بعد حين يبدأ خطوات النشر الورقي، ولكن الواقع أنه في الغالب يُسجن في النشر الإلكتروني ويقضي عمراً يبحث خلاله عن الربح المعنوي على الأقل ولا يجده.

    ويكفي هذا رغم كونه قليل من كثير، ليبق السؤال الأخير.. وما الحل؟ الحل هو ابتكار آلية جديدة تماماً تجمع كل التجارب السابقة تخلطها معاً للخروج بتجربة فريدة من نوعها، ومشروع غير مسبوق.
    هل يبدو هذا كلاماً نظرياً؟ حسنا بالفعل هو كذلك، ولكن صدقني هذا المشروع واقع وليس خيال، وجاهز بكل تفاصيله التي استغرق الإعداد لها سنوات طويلة، لأننا عملنا بمنطق "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه"، هذا المشروع هو الذي بين يديك الآن، تجربة إن نجحت ربحنا جميعاً، وإن فشلت وهذا وارد طبعاً فيكفينا شرف المحاولة، وأننا فعلنا ما توجب علينا فعله كعمل نبتغي به وجه الله وحده.

     في المقال القادم سنتحدث عن مشروعنا، مشروع النشر الحر الذي نأمل من خلاله أن نتخطى العقبات التي تواجه الكاتب في سوق النشر العربي.